الجابرية بين الماضي والحاضر
مقدمة: يسرّني أن أشارككم الدافع وراء اختياري لهذا الموضوع، وهو في الحقيقة أكثر من مجرد اهتمام أكاديمي. إنه ذلك الشغف المتقد داخلي، الذي لا يهدأ كلما وجدتُ نفسي أمام فرصة للغوص في أعماق التاريخ، أو لاكتشاف جوانب خفية من ثقافتنا في الشرق الأوسط. حين أبحث، أشعر وكأنني أطارد ضوءًا داخليًا… ضوءًا يلمع في عينيّ، ويلاحظه من حولي كلما تحدّثت بحماس عن اكتشاف جديد أو فكرة أثارت فضولي. حين يتأمل الإنسان جذوره، لا يبحث فقط عن ماضٍ مضى، بل ينشد فهمًا أعمق لذاته، لوطنه الصغير، وللمكان الذي شكّل نبض ذاكرته الأولى. من هنا، لم يكن اختياري لموضوع تاريخ قريتي الحبيبة الجابرية مجرّد واجب بحثي، بل هو فعل امتنان، وخطوة أولى نحو ردّ جميلٍ لطالما حملته في القلب. بدأت أبحث بشغف عن أصول قريتي التي نشأت فيها كانت هذه الرغبة مدفوعة بشعور داخلي بالحاجة لفهم تاريخ المكان الذي شكّل ذاكرتي الأولى، ومحاولة لربط الحاضر بالماضي من خلال الوثائق والروايات. هذه القرية التي احتضنت طفولتي، وشهدت ملامح تشكّلي، تستحق أن تُروى قصتها، لا بصوت الغرباء، بل بصوت من عاش فيها، وارتبط بترابها، وعايش أهلها الطيبين. من قلب هذا الانتماء، ومن رحم هذا الامتنان، انطلقت في رحلة بحث شغوفة عن أصول الجابرية، التي كانت تُعرف قديمًا باسم "دار البقر"، باحثًا في بطون الكتب، وبين سطور الوثائق القديمة، وعن إشاراتها في مشاريع بحثية دولية تهتم بتاريخ القرى المصرية، مثل مشروع EGYLandscape الذي يجمع بين جامعات أوروبية ومصرية ويستهدف دراسة تحوّلات الريف المصري خلال العصور المملوكية والعثمانية. هذا البحث هو دعوتي المفتوحة لكل أبناء قريتي (الجابرية): أن نعيد معًا اكتشاف ماضينا، لا لنغرق فيه، بل لنفهم الحاضر من خلاله، ونرسم معالم مستقبل أكثر وعيًا بجذورنا. وإنني إذ أقدّم هذا الجهد المتواضع، أرجو أن تنظروا إليه بعين المحبة التي أعرفها عنكم، وبروح التعاون التي تميّز أهل قريتنا الكرام. فإن أصبت، فذلك بفضل الله وبما تعلمته منكم، وإن أخطأت أو قصّرت، فأرجو منكم العذر، فحبّي للجابرية سبق قلمي، وحرصي على رواية تاريخها قد يفوق دقّتي أحيانًا. لكم مني خالص التقدير، وأصدق الدعاء، وأعمق الامتنان. رجب كمال الدين حسين أبوحليمة
مراحل تأريخ القرى المصرية 1. القرى في العصور القديمة حتى القرن السابع الميلادي: في القرن السابع الميلادي كان يوجد في مصر تقريبا ألف قرية ومدينة (حيث لا توجد إحصاءات شاملة) منها 607 فقط معروف اسمها في نهاية العصر الروماني ومنها 327 فقط يعرف اسمها القديم وموضعها الجغرافي بدقة ومنها 34 فقط يوجد عنها معلومات كافية من أحداث وشخصيات من واقع الآثار والبرديات (وهي العواصم التاريخية مثل منف وطيبة والإسكندرية.. إلخ ويشمل ذلك كافة السجلات الفرعونية والرومانية والتاريخ الكنسي وما كتبه المؤرخون والأثريون وعلماء المصريات وما دونه العرب في كتاباتهم في أول عهدهم في مصر، ولدينا عدد من المدن المصرية المعاصرة ترجع في تاريخها إلى العصور القديمة وتحمل نفس اسمها القديم تقريبا مثل دمياط وطنطا ودمنهور وشبين الكوم لكن لا يوجد لها أي تاريخ مدون قبل العصور الإسلامية ولا أي وصف لمعالمها الجغرافية أو حياة سكانها. 2. أما في العصور الإسلامية فهناك اهتمام شديد بالتدوين والإحصاء حيث يمكننا معرفة تاريخ إنشاء عدد من المدن والقرى بالتقريب وبعضها معروف بالسنة واليوم أحيانا مثل الفسطاط والمحلة والقاهرة والمنصورة وبرج البرلس وديرب نجم وحوش عيسى وميت عقبة وبولاق الدكرور، فضلا عن كتابات الرحالة الذين وصفوا البلاد جغرافيا وسكانيا وكتاب السير الذاتية الذين كتبوا عن كبار الأعيان والتجار والشيوخ. 📌 الروك الصلاحي في القرن السادس الهجري: وفي أول إحصاء شامل في العصور الإسلامية (الروك الصلاحي) في القرن السادس الهجري كانت عدد البلدات المصرية 2071 منها 1541 في الدلتا و 530 في الصعيد وذكرت جميعها بالاسم سواء القرى القديمة أو التي بناها العرب في كتاب قوانين الدواوين ، واللافت للنظر أن الصعيد بكامله من بر الجيزة حتى جنادل أسوان كان يضم فقط خمسمائة قرية (أي بواقع خمسين قرية لكل محافظة من محافظات الصعيد الحالية (سيتم تناولها لاحقا). 📌 الروك الناصري في القرن الثامن الهجري: وفي إجراء أكثر دقة جاءت إحصاءات الروك الناصري في القرن الثامن الهجري حيث ذكرت كافة القرى وتوابعها ومساحة زمامها ومقدار خراجها واسم صاحب الإقطاع ومقدار ما فيها من أوقاف ، وبلغت البلدات المصرية وقتها 2480 منها 1739 في الدلتا و 741 في الصعيد و كتاب الانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق، فيُعد من أبرز كتب الخطط التي تناولت مدينة القاهرة في العصر المملوكي، و كذالك جمعها ابن الجيعان في كتاب التحفة السنية ، وأي قرية لا يوجد اسمها في هذا الإحصاء فهي قد تأسست بعد هذا التاريخ سواء في الدلتا أو الصعيد. ( سيتم تناولها لاحقا). 3. العهد العثماني وما بعده: 📌 دفاتر التربيع العثماني (القرن العاشر الهجري): وجاءت دفاتر التربيع العثماني في القرن العاشر لترسم صورة التطور العمراني حيث تم تسجيل المساحات والأسماء وكافة بيانات القرى والولايات والتي بلغت وقتها 2917 قرية منها 1725 في الدلتا و 1192 في الصعيد، وفيها تضاعفت قرى الصعيد بسبب توطين القبائل العربية بينما كانت الزيادة في الدلتا محدودة، وفي أول عهد محمد علي بلغت القرى 3073 منها 1856 في الدلتا و 1217 في الصعيد. 4. العهد الحديث (من محمد علي حتى العصر الحديث): وفي عهد سعيد باشا بلغت القرى 3554 منها في الدلتا 2156 و 1398 في الصعيد، وبعد ذلك كانت الزيادات في العصور الحديثة محدودة، وبالتالي ليس من المقبول اختراع تاريخ وهمي للقرى والبلدات المصرية والبحث عن تاريخ قديم لكل قرية وهو الأمر المخالف للحقيقة سواء كان فرعونيا أو إسلاميا، وليس معنى أن قرية جديدة تأسست جوار قرية قديمة أن ينسب لها تاريخها لتوافق أهواءنا وقناعاتنا وقراءتنا المحدودة للتاريخ . بعد ذلك، ظلت الزيادة في عدد القرى خلال العصور الحديثة محدودة نسبيًا. لكن بفضل المشروع الذي شاركت فيه جامعة ماربورغ، وتحديدًا مركز الدراسات الشرق أوسطية (CNMS) بالتعاون مع الدكتور فوس ضمن مشروع EGYLandscape، أُتيحت لنا الفرصة للتعرف على هذه المصادر واستكشافها، بما في ذلك الخرائط التاريخية التي ساعدت في تتبع تطور المشهد القروي وفهم تحوّلاته عبر الزمن .
ثورة المحلة ضد المماليك وقبل البدء في الحديث عن الجابرية وتاريخها الحديث والقديم، أشارك معكم فيما هو معروف تاريخيا ب ( ثورة المحلة ضد المماليك) والمحلة هي المدينة التابع لها قرية الجابرية. اندلعت ثورة في المحلة يوم الأحد 25 رمضان 854 هـ (10 نوفمبر 1450 م) في عهد السلطان المملوكي جقمق، نتيجة لسوء الأحوال الاقتصادية وفرض الضرائب الثقيلة من المماليك. السبب المباشر كان تعيين شهاب الدين أحمد الزيني والياً على المحلة، وهو شخصية فاسدة ومرتشة. بدأت الثورة من المساجد، ثم تطورت لمهاجمة بيت الوالي وقتله. حظيت الثورة بدعم واسع من فئات الشعب في القاهرة، مما جعل السلطان يحاول تهدئة الأمور بتقليل العقوبات على الثوار . تشير الدراسات التاريخية إلى أن مدينة المحلة الكبرى، منذ نشأتها وحتى منتصف القرن التاسع عشر، لم تكن تملك زمامًا زراعيًا خاصًا بها. فقد أُنشئت أساسًا كمقر إداري وعسكري لوسط دلتا النيل، وكانت تُذكر في الوثائق بوصفها العاصمة دون تحديد مساحة زراعية واضحة، إذ كان ريفها موزعًا على ثلاث زمامات: هورين بهرمس، المنتصرية، وسندفا. مع مرور الزمن، تغيّرت معالم هذه المناطق: • سندفا أصبحت من أحياء المدينة • هورين بهرمس شُيّد على أنقاضها محلة البرج • المنتصرية تحوّلت إلى قرية العلو ومنذ العصر الفاطمي، بدأت تظهر أسماء القرى المحيطة بالمحلة الكبرى في الوثائق الرسمية، مثل: قوانين الدواوين، التحفة السنية، التربيع العثماني، والقاموس الجغرافي.
تاريخ الجابرية: في الغرب مباشرة من مدينة المحلة، تأسست عدد من القرى نتيجة لموقعها المركزي، منها: محلة الداخل (الدواخلية) المعتمدية، والعامرية والجابرية ( دار البقر البحرية، القبلية). تعود أصول دار البقر إلى قبائل عربية مثل الحلف الجذامي، والمعروفين في الوثائق بـ"عرب شرقيون". وتحديدًا، ينتمي سكان الجابرية والعامرية إلى ما يُعرف بتحالف عرب البقارية، وهم مزيج من قبائل جذام والأنصار. ولاحقًا، تغيّرت أسماء هذه القرى لتُطابق أسماء العائلات الكبرى فيها، وهو أمر كان شائعًا في العصر العثماني خاصة مع "التربيع الأخير" الذي نظّم أسماء القرى والإدارات المحلية. من هم الحلف الجذامي؟ جذام: قبيلة عربية قحطانية من جنوب الجزيرة العربية، جاءت إلى مصر في فترات مبكرة من الفتح الإسلامي، واستقرت بالأساس في شمال الدلتا والشرقية. التي جاءت في جيش (عمرو بن العاص) الذي فتح مصر لنشر الإسلام، سنة 640 م ، وسكنت في منطقـة الدلتا. أحد أبرز تحالفاتهم كان ما يُعرف بـ "عرب البقّارية"، وهو تحالف بين جذام وبعض فروع الأنصار (أي الأوس والخزرج) الذين استقروا في مصر أيضًا . أما عن سبب تسميتهم "عرب شرقيون" في الوثائق: في سجلات العصر العثماني والفاطمي، يُشار إليهم بلفظ "عرب شرقيون" لتمييزهم عن القبائل البدوية التي جاءت من الغرب (ليبيا والمغرب. هذا التمييز كان يعكس الأصول الجغرافية والسياسية، فـ"الشرقيون" كانوا أكثر ارتباطًا بالجهاز الإداري المصري، بينما "الغربيون" كانوا أكثر بدوية وتحركًا. اسم "البقّارية" يعود على الأرجح إلى مهنة أو نمط حياة هذه المجموعة القبلية، وهو مأخوذ من "البقر" – أي تربية الأبقار والعمل في الرعي والزراعة. في السياق الريفي المصري، تُستخدم كلمة "بقّاري" للإشارة إلى من يعمل في رعي أو تربية البقر، تمامًا كما يُقال "جمال" لمن يرعى الجمال، و"غنّام" لمن يرعى الغنم. وبما أن عرب البقّارية كانوا مستقرين في مناطق زراعية بالدلتا، فمن المنطقي أن يُعرفوا بهذه التسمية نظرًا لنشاطهم الاقتصادي الأساسي في تلك الفترة، والذي كان غالبًا مرتبطًا بالرعي والزراعة، مما يعكس تحوّلهم من نمط الحياة البدوي إلى الاستقرار والعمل الزراعي. وفي عصر الدولة الأيوبية، وتحديدًا في الروك الصلاحي ( 572هـ/1176م )، قُسّمت دار البقر إلى ناحيتين: • دار البقر القبلية: وهي الأصلية، وسُميت بذلك نسبة إلى موقعها الجنوبي. • دار البقر البحرية: وهي المستحدثة، وتقع إلى الشمال من الأولى.
وقد ورد ذكرهما في الخطط التوفيقية لعلي باشا مبارك هذا الاسم علم لقريتين من مديرية الغربية، إحداهما دار البقر البحرية: وهى من دائرة دولتلو إبراهيم باشا نجل الخديوى إسمعيل باشا، والأخرى دار البقر القبلية وهى تابعة لجماعة من أكابر الدولة مثل راتب باشا الكبير وسليمان باشا رءوف وغيرهما، وكلاهما غربى المحلة الكبرى بنحو ساعة فى جنوب المعتمدية وشمال بلقينة، وكانتا سابقا تابعتين لشفلك المرحوم عباس باشا، ويقال: إن أكثر من بمصر أو جميعهم من السقائين لماء الآبار من قريتى دار البقر .
الشخصيات التاريخية البارزة المنحدرة من دار البقر:
ورد في الخطط المقريزية ذكر شخصية مرموقة من دار البقر، وهو الرئيس شمس الدين شاكر بن غزيل، المعروف بـ"ابن البقري"، الذي كان ناظر الذخيرة السلطانية في عهد السلطان الناصر حسن بن محمد بن قلاوون. وقد نشأ ابن البقري على دين النصارى، وتقلد مناصب رفيعة في الدولة، ثم أسلم على يد الأمير شرف الدين بن الأزكشي، فلقبه بـ"القاضي شمس الدين". أسس ابن البقري مدرسة دار البقر في زقاق مقابل لباب الجامع الحاكمي بالقاهرة، والتي أصبحت تُعرف بـ"زاوية البقري" في حي باب النصر، ولا تزال قائمة حتى اليوم ضمن الآثار المصرية، ومسجلة تحت رقم 18 بفهرس الآثار، ويعود تاريخها إلى عام 676 هـ / 1374 م. المدرسة البقرية (مدرسة دار البقر) تقع هذه المدرسة في الزقاق الذي تجاه باب الجامع الحاكميّ المجاور للمنبر، ويتوصل من هذا الزقاق إلى ناحية العطوف، في شارع المعز، بناها الرئيس شمس الدين شاكر بن غزيل، تصغير غزال ( وهذه الأسرة لا زالت موجودة إلى الآن هناك)، المعروف بابن البقريّ، أحد مسالمة القبط وناظر الذخيرة في أيام الملك الناصر الحسن بن محمد بن قلاون، وهو خال الوزير الصاحب سعد الدين نصر الله بن البقريّ، وأصله من قرية تعرف بدار البقر، إحدى قرى الغربية، نشأ على دين النصارى، وعرف الحساب وباشر الخراج إلى أن أقدمه الأمير شرف الدين بن الأزكشيّ استادار السلطان ومشير الدولة في أيام الناصر حسن، فاسلم على يديه، وخاطبه بالقاضي شمس الدين، وتقلب فى الوظائف الشريفة الكتبخانة الخديوية بسراى درب الجماميز ترتيب، وجعل بها درسا للشافعية ورتب بها ميعادا وإماما حسن القراءة طيّب النغمة. وخلع عليه واستقرّ به في نظر الذخيرة السلطانية ، وكان نظرها حينئذ من الرتب الجليلة، وأضاف إليه نظر الأوقاف والأملاك السلطانية، ورتبه مستوفيا بمدرسة الناصر حسن، فشكرت طريقته وحمدت سيرته وأظهر سيادة وحشمة، وقرّب أهل العلم من الفقهاء، وتفضل بأنواع من البرّ، وأنشأ هذه المدرسة في أبدع قالب وأبهج ترتيب، وجعل بها درسا للفقهاء الشافعية، وقرّر في تدريسها شيخنا سراج الدين عمر بن عليّ الأنصاريّ، المعروف بابن الملقن الشافعيّ، ورتب فيها ميعادا وجعل شيخه صاحبنا الشيخ كمال الدين بن موسى الدميريّ الشافعيّ، وجعل إمام الصلوات بها المقرئ الفاضل زين الدين أبا بكر بن الشهاب أحمد النحويّ، وكان الناس يرحلون إليه في شهر رمضان لسماع قراءته في صلاة التراويح لشجا صوته، وطيب نغمته، وحسن أدائه، ومعرفته بالقراءات السبع والعشر والشواذ، . ولم يزل ابن البقريّ على حال السيادة والكرامة إلى أن مرض، مرض موته، فأبعد عنه من يلوذ به من النصارى، وأحضر الكمال الدميريّ وغيره من أهل الخير، فما زالوا عنده حتى مات وهو يشهد شهادة الإسلام في سنة ست وسبعين وسبعمائة (776هـ )، ودفن بمدرسته هذه وقبره بها تحت قبة في غاية الحسن، وولي نظر الذخيرة بعده أبو غالب، ثم استجدّ في هذه المدرسة منبر وأقيمت بها الجمعة في تاسع جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وثمانمائة بإشارة علم الدين داود الكوبر كاتب السرّ . وخلدها الراحل «نجيب محفوظ» فى مجموعته القصصية (فتوة العطوف(. وهى مقامة الشعائر والجمعة والجماعة، وبها القبة إلى الآن وعلى يمين المحراب حجر منقوش فيه تاريخ تجديدها وهو سنة ست وأربعين وسبعمائة، وكان بها مصحف من وقف السلطان قايتباى طوله خمسة أشبار نقل إلى الكتبخانة الخديوية بسراى درب الجماميز.
وصف المدرسة: أما منطقة الحاكم بأمر الله فهي زاخرة بالكثير من الآثار التي تبلغ ١٩ أثرا، وفى حارة العطوف المتفرعة من شارع باب النصر يوجد المدرسة البقرية التى أنشأها شمس الدين شاكر بن غزيل عام ٧٤٩هـ/ ١٣٤٨م. خلال العصر المملوكى لتدريس الفقه على المذهب الشافعي، والمدرسة لها واجهة جنوبية غربية وتتكون من الداخل من قاعة وثلاثة إيوانات، وفى شارع الجمالية توجد واجهة حوش عطى الذى أنشأه الأمير الكبير سليمان أغا السلحدار عام ٢٣٣هـ / ١٨١٧م وقد نشأ فى خدمة محمد على باشا الكبير . العمارة الخارجية لهذا الأثر تشمل واجهة رئيسية تطل على حارة العطوف، ويشغل طرفها الغربى المدخل الرئيسى لها، وهو مدخل بسيط يتقدمه حجر غائر على جانبيه مكسلتان حجريتان ، ويتوسطه فتحة باب مستطيلة يغلق عليها باب خشبى من مصراعين. المدخل الرئيسي يقع في الجهة الغربية من الواجهة، ويتراجع إلى الداخل قليلاً، ويحيط به من الجانبين مكسلتان حجريتان مستطيلتا الشكل. تعلو المدخل ثلاثة مداميك حجرية يتوسطها شريط كتابي مكتوب عليه: "بسم الله الرحمن الرحيم، ادخلوها بسلام آمنين، ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ، إخواناً على سرر متقابلين. أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة من فضل الله تعالى ورضوانه، العبد الفقير إلى الله تعالى شمس الدين ابن غزيل، وذلك في سنة 746هـ." هذا النص مكتوب بخط الثلث المملوكي، ويُعد النص التأسيسي للمدرسة. أما العمارة الداخلية للاثر فيؤدى اليها المدخل الرئيسى حيث يفضى الى ردهة مستطيلة، وبضلعها الجنوبى الشرقى فتحة باب تؤدى الى الداخل، والتخطيط العام لهذه المدرسة غير تقليدى للمدرسة المملوكية حيث يتكون من ايوان مستطيل المساحة يقع بالجهة الجنوبية الشرقية، ويتصدر جداره الجنوبى الشرقى حنية محراب على يمينها منبر خشبى، وبالجهة الجنوبية الغربية والجهة الشمالية الشرقية سدلة مستطيلة المساحة تطل كل منهما على الإيوان الرئيسي بعقد مدبب. ويتقدم هذا الايوان درقاعة مستطيلة المساحة، ويغطى سقفها سقف خشبى معرق تتوسطها شخشيخة خشبية يفتح عليها 12 نافذة مستطيلة، وقد ألحق المعمار بهذه المدرسة غرفة ضريحية يتوصل اليها من خلال فتحة باب تتوسط الجدار الشمالي الشرقي للسدلة الشمالية الشرقية بايوان القبلة. وهي عبارة عن غرفة مستطيلة المساحة تقريبا، ويتوسط ارضيتها تركيبتان خشبيتان الاولى تعلو قبر المنشئ والثانية تعلو قبر سيدى محمد العقباوى، وقد سقفت هذه الغرفة بسقف خشبى معرق، ويشغل الجدار الشمالى الشرقى لها سدلة مستطيلة المساحة. المدخل : المدخل عبارة عن فتحة مستطيلة يُغلق عليها باب خشبي ذو ضلفتين، يعلوه عتب حجري ثم نافذة مستطيلة. يعقد المدخل بعقد مدبب من الحجر المشهر، وتحيط به إطارات حجرية بارزة، ويعلوه إفريز حجري. النوافذ: في الجهة اليمنى من الواجهة، توجد نافذتان مستطيلتان على ارتفاع متر تقريباً من سطح الشارع، تُغلقان من الداخل بشِباك معدني مشبك على الطريقة المصرية الشعبية. في الأجزاء العلوية من الواجهة، كانت توجد نوافذ أخرى، تعلوها كتابات قرآنية، سقط معظمها ولم يتبقَ منها سوى القليل. وتنتهي الواجهة من الأعلى بصف من الشرفات الحجرية على شكل ورقة نباتية ثلاثية.
وصف المسجد من الداخل: يُلاحظ من خلال إحدى النوافذ المطلة على المسجد – نظرًا لصعوبة الدخول إليه – أن التخطيط الداخلي للمسجد بسيط للغاية. يتكون المسجد من دور قاعة رئيسية، تَغطيها سقوف خشبية، تتوسطها شقف فتحة علوية للإضاءة والتهوية. يتقدم القاعة من جهة الجنوب الشرقي إيوان القبلة، وهو أكبر الإيوانات الأربعة، ويشرف على القاعة من خلال قوس نصف دائري. وإلى جانبيه، في الجهتين الشمالية والجنوبية من القاعة، يقع إيوانان جانبيان صغيران يُشكلان ما يُعرف بـ"السدلتين"، وقد استُخدما غالبًا للصلاة أو الدراسة. وعلى الرغم من بساطة التخطيط، فإن توزيع الإيوانات حول القاعة يعكس الطراز المملوكي الشائع في تخطيط المدارس الدينية، حيث يتم التركيز على إيوان القبلة من حيث الحجم والاتجاه.
وقد شهدت المدرسة نشاطًا علميًا وفقهيًا واسعًا، حيث عيّن فيها كبار العلماء، من أبرزهم: • الشيخ سراج الدين عمر بن علي الأنصاري المعروف بـ"ابن الملقن". • الشيخ كمال الدين بن موسى الدميري. • المقرئ زين الدين أبو بكر بن الشهاب أحمد النحوي، المعروف بصوته الجميل وتلاوته البديعة للقراءات القرآنية في صلاة التراويح. وقد تُوفي ابن البقري في عام 776 هـ، ودُفن في مدرسته، تحت قبة لا تزال شاهدة على مقامه ومكانته.
حول المصادر العربية التي ورد فيها ذكر قرية الجابرية:
1- ورد ذكر قريتي دار البقر القبلية ودار البقر البحرية في العديد من المصادر التاريخية، فمثلا عند بن ممّاتي في كتابه (قوانين الدواوين) ضمن القرى القديمة ل إقليم الغربية. فيقول إن دار البقر البحرية: مساحتها 1511 فدانًا، وتقدَّر عبرتها أي قيمتها المالية السنوية) بستة آلاف دينار). و دار البقر القبلية: مساحتها 965 فدانًا، وتقدَّر عبرتها بثلاثة آلاف وثلاثمائة دينار. الأسعد بن مهذب بن ممّاتي (544–606 هـ / [1149–1150]–1209 م) كان من كبار رجال الإدارة في الدولة الأيوبية، وتولى ديوان الحرب في عهد صلاح الدين الأيوبي وابنه العزيز. ألّف كتاب قوانين الدواوين ليكون دليلاً إداريًا وماليًا يعكس النظام الأيوبي القائم على (الروك الصلاحي) الذي أُنجز بين 1176 و1181م. الكتاب يُعد مرجعًا إداريًا مهمًا في التاريخ المصري، يتناول تقسيمات البلاد الإدارية والمالية والزراعية، ويعتمد عليه الباحثون في التاريخ الإداري والاقتصادي للدولة الأيوبية. الطبعة المعتمدة في البحوث الحديثة تعود لسنة 1943 بتحقيق عزيز سوريال عطية وقد طُبعت على نفقة الأمير عمر طوسون، وتُستخدم في قواعد البيانات الرقمية مثل نظم المعلومات الجغرافية الخاصة بالتراث المصري. وقد صنف ابن ممّاتي أسماء المدن والقرى حسب الحروف الأبجدية، وتحت كل حرف أورد مواقع متعددة في سائر الولايات المصرية، ومن ضمنها إقليم الغربية. 2- وكذالك الأمر في كتاب "الانتصار لواسطة عقد الأمصار" حيث يشير ابن دُقماق (ت 1349) إلى قريتي دار البقر القبلية ودار البقر البحرية ضمن الوحدات الإدارية في مصر، وذلك في الجزء الخامس (الذي يُعد الثاني من الأجزاء المتبقية. ألّف ابن دقماق هذا العمل الجغرافي التاريخي في أواخر القرن الثامن الهجري، ويُعد مرجعًا مهمًا في وصف المدن والقرى المصرية في تلك الفترة. وعلى الرغم من ضياع معظم أجزاء الكتاب، فإن الجزءين الرابع والخامس ما زالا محفوظين، ويحتويان على أوصاف لمناطق مهمة مثل الفسطاط والإسكندرية، إلى جانب قائمة مفصلة بالوحدات الإدارية المصرية، مرتبة حسب الأقاليم ثم أبجديًا. كتاب الانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق، فيُعد من أبرز كتب الخطط التي تناولت مدينة القاهرة في العصر المملوكي، إذ ركّز بشكل رئيسي على وصف المدينة من حيث أحيائها ومعمارها، وقدم معلومات تفصيلية عن المساجد، والمدارس، والزوايا، والدور، والمقابر، والأسواق، مع الإشارة أحيانًا إلى أسماء المؤسسين أو السكان. ويعكس الكتاب بصورة موسعة تطور الحياة العمرانية والاجتماعية والدينية في القاهرة والفسطاط ومصر القديمة، مما يجعله مصدرًا أساسيًا في دراسة المدينة المملوكية. ورغم هذا التركيز، يذكر المؤلف بعض المدن الأخرى كدمياط والمنصورة ورشيد والمحلة، ولكن بشكل عرضي، غالبًا في سياق الإشارة إلى علماء أو متصوفة ينتمون إليها، أو في إطار الحديث عن أوقاف تمتد إلى تلك المناطق، مما يؤكد أن الغاية الأساسية للكتاب كانت توثيق وتحليل القاهرة باعتبارها العاصمة والمركز الإداري والسياسي للدولة. تطور الحياة العمرانية والاجتماعية والدينية في القاهرة والفسطاط ومصر القديمة، مما يجعله مصدرًا أساسيًا في دراسة المدينة المملوكية. ورغم هذا التركيز، يذكر المؤلف بعض المدن الأخرى كدمياط والمنصورة ورشيد والمحلة، ولكن بشكل عرضي، غالبًا في سياق الإشارة إلى علماء أو متصوفة ينتمون إليها، أو في إطار الحديث عن أوقاف تمتد إلى تلك المناطق، مما يؤكد أن الغاية الأساسية للكتاب كانت توثيق وتحليل القاهرة باعتبارها العاصمة والمركز الإداري والسياسي للدولة. تتضمن هذه القوائم معلومات إدارية ومالية، مثل: المساحة (المنطقة المالية)، العِبرة (القيمة المالية)، وأسماء المستفيدين من الإيرادات. ويُرجّح أن هذه المعلومات استُمدّت من مسح الروك الناصري (1315م)، بينما تعكس أسماء المستفيدين التغييرات التي طرأت خلال عهد السلطان برقوق، تحديدًا في عامي 797–798 هـ / 1394–1395م. وقد لحقت بالنسخ المخطوطة خسائر كبيرة، حيث فُقدت صفحات عدة، وتُركت مواضع كثيرة من البيانات المطلوبة فارغة. وقد راعت طبعة كارل فولرز (القاهرة، 1893م) هذه الفراغات، وهي الطبعة المعتمدة المشار إليها في أنظمة المعلومات الجغرافية الرقمية عند الإشارة إلى ابن دقماق 3- كتاب التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية: يُعد شرف الدين يحيى بن الجيعان (814–885هـ / 1411–1480م) من كبار موظفي الإدارة في العصر المملوكي، وهو صاحب كتاب التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية، الذي يمثل مصدرًا هامًا لدراسة التنظيم الإداري والمالي لمصر في تلك الحقبة. يتألف الكتاب من قائمة تفصيلية بالوحدات الإدارية المصرية، مرتبة بحسب الأقاليم ثم وفق التسلسل الأبجدي، وهو ترتيب مشابه لما اتبعه ابن دقماق في كتابه الانتصار لواسطة عقد الأمصار. ويورد ابن الجيعان لكل وحدة معلومات دقيقة تتضمن مساحتها، وقيمتها المالية (المعروفة بـ "العبرة")، وأسماء المستفيدين من إيراداتها خلال فترتين: الأولى تعود إلى سنة 777هـ/1376م، والثانية إلى أواخر القرن التاسع الهجري، تحديدًا بين عامي 880هـ/1475م و883هـ/1478م، وهي الفترة التي تعود إليها أقدم نسخة معروفة من المخطوطة، والمحفوظة في مكتبة بودليان بأكسفورد (Ms. Huntington 2). ويُشار إلى كتاب ابن الجيعان في نظم المعلومات الجغرافية الحديثة (GIS) بالاختصار [IG - ا ج]، غالبًا اعتمادًا على طبعة برنارد موريتز (1898)، التي كثيرًا ما تُقارن بالمخطوطة الأصلية لتدقيق الاختلافات النصية. ومن الأمثلة التي أوردها المؤلف ما يتعلق بمنطقتي "دار البقر البحرية" و"دار البقر القبلية"، حيث قدم بيانات دقيقة عن المساحة والعبرة والتغيرات في التوزيع المالي بين الوقف والمقطع والأملاك. من أمثلة ما ورد في الكتاب (صـ 76)) دار البقر البحرية: مساحتها 1511 فدانًا، بها رزق بمقدار 54 فدانًا. كانت عبرتها 6000 دينار، ثم استقرّت على 4000 دينار، موزعة بين المقطعين، والأملاك، والأوقاف. دار البقر القبلية: مساحتها 965 فدانًا، بها رزق بمقدار 37 فدانًا. كانت عبرتها 3300 دينار، ثم أصبحت 1650 دينارًا، وكانت في الأصل للمقطعين، وأصبحت وقفًا. 4- محمد رمزي، "القاموس الجغرافي للبلاد المصرية من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945"، الجزء الثاني، المجلد الثاني، ص 15 . فهي قرية قديمة كانت تعرف باسم "دار البقر البحرية"، وقد ورد ذكرها في قوانين ابن مماتي، وفي "تحفة الإرشاد"، وفي "المشترك" لياقوت. كما تم الإشارة إليها في "التحفة" كجزء من أعمال الغربية. وقد تم التفريق بين هذه الناحية وبين "دار البقر الأصلية"، وهي العامرية في الروك الإصلاحي، حيث تم تمييزها بالبحرية وتلك بالقبلية بناءً على موقعهما الجغرافي بالنسبة لبعضهما. نظرًا لأن اسم "دار البقر" كان يُعتبر اسمًا غير مألوف وغير مستحب، طلب العمدة محمد السيد الجبار تغيير الاسم إلى "الجبارية"، وهو ما وافقت عليه وزارة الداخلية في 27 يناير 1932م. ومع ذلك، تم إصدار القرار باسم "الجابرية" عن غير قصد، حيث تم الاعتقاد أنه الاسم المطلوب دون مراعاة طلب العمدة أو اسم جده. وعلى أي حال، يُعتبر الاسم الحالي "الجابرية" أفضل من "الجبرية"، وبذلك اختفى اسم "دار البقر البحرية". 5- ) وصف مصر" (بالفرنسية: Description de l’Égypte، بالألمانية: Beschreibung Ägyptens) هو عنوان مجموعة شهيرة من النصوص والصور، نشأت نتيجة لحملة نابليون بونابرت على مصر (1798–1801). وتُعدّ هذه المجموعة منطلقًا أساسيًا لنشوء علم المصريات كفرع علمي مستقل. العنوان الكامل للعمل هو: "وصف مصر، أو مجموعة الملاحظات والأبحاث التي أُجريت في مصر خلال حملة الجيش الفرنسي، والتي نُشرت بأمر من صاحب الجلالة الإمبراطور نابليون العظيم."
6- المسح الطبوغرافي لمصر بمقياس 1:50,000 بدأ خلال الاحتلال البريطاني (1882–1952)، حيث كانت الحاجة ماسة إلى خرائط دقيقة لكل شبر من البلاد. الخريطة دي تقريبا بتاريخ 1913
تطور عدد سكان قرية الجابرية - مركز المحلة الكبرى
بلغ عدد سكان قرية الجابرية التابعة لمركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، وفقًا لتعداد عام 2006، نحو 12,384 نسمة. وقد شهدت القرية نمواً سكانيًا ملحوظًا خلال السنوات التالية، حيث وصل عدد السكان إلى حوالي 15,490 نسمة في عام 2018، مما يعكس زيادة سكانية طبيعية نتيجة للولادات المتزايدة. وتشير بعض الروايات المحلية إلى أن عدد السكان في منتصف القرن العشرين كان أقل من نصف هذا العدد، إذ كانت الجابرية حينها قرية زراعية صغيرة تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة وتربية المواشي، ولم تكن تشهد نفس الكثافة السكانية الموجودة اليوم.. ورغم عدم توفر بيانات رسمية بعد عام 2018، إلا أن استمرار هذا النمو السكاني يتطلب تخطيطًا محكمًا لتوسيع المدارس والمراكز الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي، بما يتلاءم مع الاحتياجات المتزايدة لأهالي القرية.
التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة: الكتّاب
في قرية الجابرية، يبدأ التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة 3 أو 4 سنوات، من خلال الكتّاب، وهي مؤسسة تعليمية أهلية ذات طابع ديني. يتميز الكتّاب بتعليم الأطفال القرآن الكريم وبعض القواعد الأساسية للقراءة والكتابة. يعتبر هذا النوع من التعليم جزءًا من التراث الثقافي في العديد من القرى المصرية، حيث يُدرّس الأطفال على يد الشيخ أو الشيخة في بعض الأحيان، الذي يكون مسئولًا عن تربية الأطفال وتعليمهم أصول الدين والحفاظ على السلوكيات الصالحة من احترام الأهل والمعلمين في كثير من الأحيان، يظل الأطفال في الكتّاب حتى يتمكنوا من حفظ أجزاء كبيرة من القرآن ومن ثم دراسة علوم التجويد وإحيانا القرءات، وبعضهم قد يتمكن من حفظ القرآن الكريم كاملاً قبل أن يبدأ مرحلة التعليم الابتدائي. ولكن ظل الطلاب يعانون من الكثير من الضرب الشديد في حالة عدم حفظهم للقران أو الورد اليومي. آتذكر أني قضيت طفولتي كاملة في هذا المكان إلى أتمتت حفظ القرآن في تمام الحادية عشر من العمر ثم ثلاث سنوات أخرى لدراسة التجويد ،المراجعة.
التعليم في المدارس الحكومية
بعد مرحلة التعليم في الكتّاب، ينتقل الأطفال في قرية الجابرية إلى المدارس الحكومية إما التابعة لوزارة التربية والتعليم أو التعليم الأزهري الديني، فالمدارس المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم في هذه المرحلة تقدم تعليمًا مجانيًا، يبدأ من المرحلة الابتدائية وصولًا إلى المرحلة الثانوية. يركز التعليم على تدريس المواد الأساسية مثل اللغة العربية، الرياضيات، العلوم، الدراسات الاجتماعية، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية. المدارس الحكومية في الجابرية، على الرغم من أنها تقدم تعليمًا مجانيًا، إلا أنها تواجه بعض التحديات. من أبرز هذه التحديات ارتفاع كثافة الفصول، حيث يتواجد العديد من الطلاب في كل فصل دراسي، مما يؤثر على جودة التعليم.
التعليم الأزهري: بجانب التعليم الحكومي التابع لوزارة التربية والتعليم ، يوجد أيضًا التعليم الأزهري في الجابرية، الذي تقدمه معاهد الأزهر الشريف. يعتبر هذا النوع من التعليم ذا طابع ديني مميز، حيث يتم تدريس العلوم الشرعية مثل الفقه، التفسير، الحديث، بالإضافة إلى الدراسات الدينية الأخرى، بجانب المواد العامة مثل اللغة العربية والرياضيات. يُلاحظ في نظام التعليم بقرية الجابرية وجود تدرج في مسألة اختلاط الأولاد والبنات عبر المراحل الدراسية المختلفة. ففي المرحلة الابتدائية، يتم التدريس بنظام مختلط، حيث يتلقى الطلاب والطالبات تعليمهم معًا في نفس الفصول دون فصل بين الجنسين. أما في المرحلة الإعدادية، فيبدأ تطبيق نظام الفصل، إذ تُخصص مدرسة للبنين وأخرى للبنات، مما يعكس التوجه نحو توفير بيئة تعليمية منفصلة أكثر ملاءمة للمرحلة العمرية. ويستمر هذا الفصل في المرحلة الثانوية أيضًا، حيث يتم توزيع الطلاب والطالبات على مدارس أو فصول منفصلة وفقًا للجنس، في إطار الالتزام بالتقاليد المحلية والمعايير التعليمية المتبعة في المنطقة. ويستمر هذا النهج في التعليم الجامعي أيضًا، حيث تُفصل القاعات الدراسية أو المجموعات الدراسية بحسب الجنس في الكليات، خصوصًا في التخصصات ذات الطابع الديني أو التقليدي، بينما تكون الدراسة مختلطة في كليات وتخصصات أخرى. يعكس هذا التنوع محاولة التوازن بين احترام العادات الاجتماعية من جهة، وتوفير بيئة تعليمية منفتحة وشاملة من جهة أخرى، وهو ما يميز تجربة التعليم في كثير من المناطق المصرية، ومنها قرية الجابرية. بعد الانتهاء من المرحلة الإعدادية، يُتاح للطلاب اختيار مسارهم التعليمي، سواء بالالتحاق بالثانوية العامة أو التوجه إلى التعليم الفني بأنواعه: الثانوي الزراعي، التجاري، أو الصناعي، كما يمكنهم الالتحاق بإحدى المدارس أو المعاهد الخاصة. إلا أن هذا القرار لا يكون دائمًا بيد الطلاب أنفسهم، إذ يتدخل أولياء الأمور في كثير من الأحيان لفرض اختيارات تتماشى مع طموحاتهم أو تصوراتهم الخاصة. وعلاوة على ذلك، فإن رغبة بعض الطلاب في التعليم لا تنبع من حبهم للعلم أو الطموح الأكاديمي، بل ترتبط أحيانًا بفكرة "الحصول على شهادة" فقط، كوسيلة لتحسين الوضع الاجتماعي أو تسهيل الزواج. فالبعض يرى أن امتلاك مؤهل جامعي يُعزز فرصه في الارتباط بفتاة من أسرة مرموقة أو ذات مكانة اجتماعية مرموقة، ما يدفع الأسرة إلى الإصرار على إلحاق الابن بإحدى الكليات بغض النظر عن رغبته الحقيقية أو قدراته. كما أن النظام العسكري في مصر يلعب دورًا في تشكيل اختيارات الطلاب بعد الإعدادية؛ إذ تختلف مدة الخدمة العسكرية حسب المؤهل التعليمي. فالطالب الذي لا يحصل على شهادة ثانوية يلتحق بالجيش لمدة ثلاث سنوات، بينما يُخفض المدة إلى سنتين لمن يحمل شهادة ثانوية (سواء عامة أو فنية أو أزهرية). أما الحاصلون على مؤهل جامعي، فيلتحقون بالخدمة العسكرية لمدة عام واحد فقط كجنود، أو ثلاث سنوات في حال انضموا كضباط. تشهد مرحلة التعليم الثانوي تحديات كبيرة، لا سيما على مستوى حرية اختيار الطلاب لمسارهم الدراسي. ففي كثير من الأحيان، يُفرض على الأبناء قرارات تتعلق بمستقبلهم التعليمي بناءً على رغبات أسرهم وليس وفقًا لقدراتهم أو ميولهم الشخصية. إذ يطمح الكثير من الأهالي لأن يصبح أبناؤهم أطباء أو مهندسين، معتبرين أي اختيار آخر نوعًا من الفشل أو التقصير، مما يشكل ضغطًا نفسيًا كبيرًا على الطلاب في هذه المرحلة الحساسة من حياتهم، يعاني طلاب المرحلة الثانوية من ضغوط نفسية كبيرة تؤثر على صحتهم النفسية ومستقبلهم. ففي حادثة مأساوية وقعت في مدينة المحلة، أقدمت طالبة ثانوية على الانتحار بإطلاق النار على رأسها أمام أسرتها. وقد أثار هذا الحادث تساؤلات عديدة حول أسباب هذا الانهيار النفسي، والتي قد تكون ناجمة عن الضغوط المتعلقة بالدراسة ومستقبل التعليم. يمثل هذا الحادث مثالاً مؤلمًا على التحديات النفسية الكبيرة التي يواجهها الشباب في مجتمعنا، والتي تتطلب اهتمامًا عاجلًا ودعمًا مستمرًا . وعلى صعيد متصل، وبالنظر إلى الجانب التعليمي في قرية الجابرية – التابعة لمركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية – فقد كشفت بيانات التعداد السكاني لعام 1996 أن نسبة الأمية بين السكان الذين تجاوزوا سن العاشرة بلغت حوالي 48.66%. ورغم هذا الواقع الصعب، تشير التقارير الحديثة إلى أن الجابرية أُعلنت في عام 2024 كإحدى القرى الخالية من الأمية بين الأجيال الجديدة، وهو ما يعكس نقلة نوعية في مسار التعليم داخل القرية. هذا التطور يُعد دليلًا واضحًا على نجاح الجهود المبذولة في مجال محو الأمية، سواء من خلال المبادرات المحلية أو البرامج الحكومية، كما يُظهر تحسنًا ملموسًا في وعي المجتمع بأهمية التعليم ودوره في تحسين مستوى المعيشة وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
أولاً: البنية التحتية والخدمات في قرية الجابرية
الكهرباء والمياه: تتمتع قرية الجابرية بشبكة كهرباء مستقرة نسبيًا تغطي معظم المنازل والمنشآت. أما بالنسبة للمياه، فتتوفر شبكات مياه حكومية تصل إلى العديد من المنازل، لكن يعاني بعض السكان من ضعف ضغط المياه في بعض المناطق، مما يدفعهم للاعتماد على الخزانات أو استخدام المواتير والطلمبات لتعزيز ضخ المياه. كما توجد محطات تنقية مياه قليلة العدد، لا تتجاوز اثنتين أو ثلاث، وقد تم إنشاؤها بمجهودات ذاتية من السكان.
الطرق والمواصلات: ترتبط قرية الجابرية بمدينة المحلة الكبرى، وهي أقرب مدينة إلى القرية، عبر طريق ممهد إلى حد ما يستخدمه السكان يوميًا للتنقل إلى العمل أو الدراسة. تتوفر وسائل مواصلات جماعية خاصة مثل الميكروباصات، بينما لا توجد وسائل مواصلات عامة رسمية تخدم القرية. أما بالنسبة للطرق الداخلية، فبعضها ممهد بشكل جيد، في حين يحتاج البعض الآخر إلى صيانة عاجلة.
تُعد مشكلة الصرف الصحي من التحديات الكبرى التي تواجه القرية، خاصة خلال فصل الشتاء، إذ لم تكن هناك شبكة صرف صحي سليمة تغطي المنطقة. لكن منذ نحو أسبوع تقريبًا، تم افتتاح أول محطة صرف صحي في القرية، بعد معاناة ومشقة استمرت لعدة سنوات ( مايو ٢٠٢٥).
الإنترنت والاتصالات: تغطي شبكات المحمول قرية الجابرية بشكل مقبول، وتتوافر خدمات الإنترنت الأرضي (ADSL) في عدد من المنازل والمدارس. مع ذلك، تعاني الخدمة من بطء في بعض الأوقات، لا سيما خلال ساعات المساء، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الاشتراك التي تشكل عائقًا لدى بعض الأسر.
الصحة والخدمات الطبية: تضم قرية الجابرية وحدة صحية رئيسية تخدم القرية وعددًا من القرى المجاورة( في الحقيقة هي في قرية القيراطية والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من قرية الجابرية) ، وتقدم خدمات الرعاية الصحية الأولية التي تشمل التطعيمات، متابعة الحوامل، والإسعافات الأولية. بالإضافة إلى ذلك، توجد العديد من العيادات الخاصة التي يشغلها أطباء من أبناء القرية في تخصصات مختلفة.رغم وجود هذه الوحدة الصحية، يضطر بعض الأهالي للانتقال إلى مدينة المحلة الكبرى للحصول على رعاية طبية متخصصة، نتيجة ضعف الإمكانيات أو نقص بعض التخصصات داخل القرية. كما تنتشر عدد من العيادات الخاصة البسيطة التي تلبي جزءًا من احتياجات السكان، لكن الكثافة السكانية المرتفعة ترفع من ضغط الطلب على الخدمات الطبية
النشاط الاقتصادي: الزراعة: يُعتبر النشاط الزراعي المصدر الرئيسي للدخل في قرية الجابرية، حيث تُعرف المنطقة بزراعة القطن على الرغم من تراجع إنتاجه في السنوات الأخيرة. كما تزرع القرية محاصيل أخرى مثل القمح، الأرز، الذرة، والبرسيم. بالإضافة إلى ذلك، تنتشر زراعة الخضروات كالطماطم، الخيار، والبصل على نطاق صغير لتلبية الاحتياجات المحلية. الحرف والمشروعات الصغيرة: تنتشر في القرية بعض الحرف التقليدية مثل النجارة، السباكة، وتصنيع الأثاث. كما توجد مشروعات صغيرة متنوعة تشمل محلات البقالة، المخابز، المطاعم البسيطة، والأكشاك، التي يشغلها بشكل خاص الشباب من أبناء القرية.
الحياة الاجتماعية والثقافية:
العادات والتقاليد: تحافظ الجابرية على كثير من العادات الريفية الأصيلة مثل احترام الكبير، والتكاتف الأسري، وكرم الضيافة. المرأة تلعب دورًا محوريًا في الحياة اليومية، خاصة في المناسبات الاجتماعية والدينية. . المناسبات: تشهد القرية احتفالات مميزة خلال شهر رمضان، وعيد الأضحى، والمولد النبوي. كما تُقام مناسبات الزواج بأسلوب تقليدي، حيث تستمر الأفراح لعدة أيام، ويُدعى لها كل سكان القرية. الجمعيات والمبادرات: يوجد عدد من الجمعيات الأهلية التي تقدم دعمًا للأسر الأكثر احتياجًا، كما تنظم حملات توعوية وطبية. في السنوات الأخيرة، بدأ الشباب بتنظيم مبادرات تطوعية تهدف إلى النظافة العامة، والتعليم، والدعم الصحي، في إطار تعزيز المشاركة المجتمعية.
التحول والتحديات: • البطالة: رغم الاعتماد على الزراعة، يعاني العديد من الشباب من البطالة، بسبب قلة فرص العمل خارج نطاق الزراعة أو الخدمات البسيطة، مما يدفع البعض للهجرة الداخلية إلى المدن الكبرى -في الغالب القاهرة / أو حتى الخارجية إلى الخليج وأوروبا. • الهجرة: الهجرة إلى المدن أو خارج البلاد تُعد من الظواهر الواضحة، وقد أدت إلى انخفاض عدد الشباب العامل في القرية، وتركز كبار السن والنساء فيها. • الخدمات غير الكافية: تعاني الجابرية من نقص بعض الخدمات الأساسية مثل الصرف الصحي الكامل، تحسين شبكات الطرق الداخلية، وتطوير خدمات الإنترنت. كما لا تزال الخدمات الصحية والتعليمية بحاجة إلى دعم وتوسيع لتواكب الزيادة السكانية.
التغيرات في السنوات الأخيرة: • شهدت الجابرية في السنوات الأخيرة بعض التحسينات الطفيفة مثل رصف بعض الطرق الفرعية، وتحسين خدمات الكهرباء والمياه. • ازدياد استخدام الإنترنت والهواتف الذكية بين الشباب ساهم في رفع الوعي العام، وساعد في خلق مبادرات تطوعية مجتمعية. • بدأ بعض الشباب في تأسيس مشروعات صغيرة مدعومة جزئيًا من برامج تنمية محلية أو تمويل ذاتي.
الخاتمة: قرية الجابرية هي نموذج مصغر للريف المصري الذي يجمع بين الأصالة والتحديات المعاصرة. رغم التمسك بالعادات والتقاليد، إلا أن القرية تواجه تحديات حقيقية مثل البطالة ونقص الخدمات.
اقتراحات للتطوير: • تحفيز الاستثمار المحلي عبر دعم المشروعات الصغيرة، خصوصًا في الصناعات الغذائية أو الحرف اليدوية. • تحسين الخدمات العامة مثل الصرف الصحي والإنترنت، مما سيساعد في تحسين جودة الحياة. • تشجيع مبادرات التعليم والتدريب المهني، خاصة لفئة الشباب، مما يساعد في تقليل البطالة. • تعزيز المشاركة المجتمعية، عبر الجمعيات الأهلية والمبادرات الشبابية، لمتابعة مشاكل القرية والعمل على حلها من الداخل.