قصة حسن كامي مع المكتبة هي قصة حب طويلة، عشِقها كما عشِق فنه وأخلص له، وزوجته كانت سببًا رئيسيًا في ارتباطه بتلك المكتبة العريقة التي لم يغادرها يومًا حتى وفاته. فأنا لا أكتب هذا المقال فقط لمجرد حصد المعلومات عن أهمية هذه المكتبة وما تحتويه من كتب نادرة وليس لأنها فقط أكبر مكتبة امتلكها شخص عربي، وتحتوي مكتبة الفنان الراحل على أكثر من “120000 عنوان ، ومن ضمنها كتب نادرة جد، بل لمكانتها عند صاحبها الراحل ورحلته معها والتي من النادر أن يرتبط أحد بمكتبته كما ارتبط الفنان الراحل حسن كامي بها.

وتعود قصة مكتبة "المستشرق" التي كان يمتلكها الفنان المصري إلى نهاية القرن الـ 19، إذ أنشأها شخص سويسري يهودي مقيم في مصر يدعى "فيلدمان" أطلق عليها اسم "المستشرق" لما بها من مخطوطات وكتب نادرة خاصة التي لها علاقة بفترة الاستعمار والحملة الفرنسية. وجمّع مجموعة من الكتب التاريخية والتراثية والمخطوطات المهمة بداخلها، ما جعلها مقصداً لجميع الباحثين والمستشرقين من جامعات أوروبا خلال فترة وجيزة.وانتقلت ملكية المكتبة إلى المصري شارل بحري، بعد أن غادر فيلدمان مصر بعد حرب العدوان الثلاثي 1956، واعتاد حسن كامي التردد على المكتبة الكائنة بوسط القاهرة خلال حقبتي . الخمسينيات والستينيات، . وزاد شغفه بشراء واستعارة كتب المكتبة، لكن صاحب المكتبة وقتها كان يرفض بيعها أو إعارتها، الأمر الذي دفع كامي للتفكير في شراء المكتبة. وبعد مفاوضات عديدة، استطاع كامي إقناع صاحب المكتبة واشتراها، مؤكدا له أن مهمته في الحياة خدمة بلده عبر حماية الفن والتراث، وأن مهمة زوجته الاعتناء بالمكتبة والحفاظ على مقتنياتها. فاشتراها وأهداها لزوجته نجوى التي أدارتها على مدار سنوات طويلة إلى أن توفيت عام 2012 والتي كانت عاشقة للقراءة .والثقافة والكتب التاريخية، وبعد وفاة زوجته انتقلت ملكيتها مرة أخرى له. وبعد وفاتها ارتبط بالمكتبة ارتباطا جسديا وعقليا ونفسيا.. فقد كان يقضي معظم أيامه بالمكتبة وتركت فراغًا بالمكتبة، حاول كامي أن يتحمله بالمرور يوميًا على المكتبة ليتذكر سنوات :حياتهما معًا، حيث كان يقول.

يذكر انه قبل وفاة الفنان الكبير عرض عليه مبلغ 18 مليون دولار مقابل المكتبة لكنه رفض بيعها ، وحسب وزارة الثقافة المصرية فان عدد كبير من الكتب الموجودة فيها نادرة جدا لا تقدر بثمن ، من ضمنها 5 نسخ من كتاب " وصف مصر " يرجع تاريخها للحملة الفرنسية على مصر . يقول فرج يوناني مسؤول المكتبة : "المكتبة 3 أدوار ، تحتوي على كتاب (مساجد مصر) النسخة التي تحمل توقيع الملك فاروق منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي ، إضافة إلى 600 لوحة للمستشرقين الذين جاؤوا إلى مصر والشرق الأوسط، والتي تتراوح أسعارها بين 8 و 18 ألف جنيه مصري للوحة الواحدة" ، كما تحتوي المكتبة على كتب يصل عمرها إلى 500 سنة . هذا وقد عرف عن الفنان الراحل انه كان يجلس بهذه المكتبة يوميا وكان يقول أن نجوي زوجته كانت تجلس بها كل يوم لذلك توجد روحها بها ورفض بيعها .توفي الفنان حسن كامي في 14 ديسمبر 2018 عن عمر يناهز 82 عاما ليلحق بابنه الوحيد شريف في حادث سير، وزوجته .

وبعد وفاة الفنان الكبير ، قامت وزارة الثقافة بتشكيل لجنة لفحص وجرد كافة محتويات مكتبة الفنان الراحل وإعداد تقرير مفصل عنها على الفور لما تحتويه المكتبة من مقتنيات تراثية . واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على المقتنيات الفنية التراثية الموجودة بالمكتبة وعدم تمكين أي من الورثة أو غيرهم من التصرف فيها إلا بعد انتهاء اللجنة المشكلة . ومؤخرا وبعد مفاوضات مع المالك الجديد للمكتبة ، أعلنت وزارة الثقافة ضم وحيازة مجموعة من المطبوعات والمخطوطات النادرة التي كانت ضمن مقتنيات مكتبة الفنان الراحل حسن كامي إلى دار الكتب وفقاً لقانون المخطوطات وكل هذا كان بسبب أنه بعد الوفاة خرج محامي الفنان حسن كامي "عمرو رمضان" بأوراق رسمية تدعي أنه له الأحقية في التصرف في المكتبة بعد أن اشتراها منه قبل وفاته. في حين أن الفنان حسن كامي رحل دون أن يترك أولادا أو زوجة، إذ سبقه ابنه الوحيد شريف في حادث سير، ثم رحلت زوجته في 2012 وبعد وفاته ظهر على الفيس بوك مزاد افتراضي، علني يتم فيه بيع بعض المقتنيات الشخصية للفنان حسن كامي وكأن المكتبة التي حصدها الراحل صارت في مهب الريح بعد وفاة صاحبها.