Minhaj

View Original

مذكرات حواء

دائما ما يجول بخاطري حول اللقاءات والمواقف الأولى لآدم وحواء
وتمنيت أن أسافر عبر الزمن خلال العصور الأولى لأعرف وأشاهد كيف كانت حياتهم الأولى، وكيف كان رد فعلهم حين تقابلهم مواقف جديدة في الدنيا.. فلك أن تتخيل عزيزي القارئ كيف عاش الإنسان الأول (آدم) على الأرض في الدنيا من غير قوم يتعايش معهم.. سوى زوجته حواء.. حتى قبيل حواء.. كيف كانت حياته.. وكيف كانت الحياة الزوجية بينهما..فهل المرأة هي المرأة في كل العصور.. أم هناك اختلافات ظهرت عبر العصور حول شخصيات الزوجين..

وفوجئت كثيرا حينما كنت أقرأ كتاب "صندوق الدنيا" لعبدالقادر المازني، في بادئ الأمر ظننت أن الأمر قد يكون بعيد كل البعد عن الواقع، وأن يكون أحدهم قد جال بخاطره نفس الفكرة.. ولكن سبحان الله ..استمتعت جدا بهذه المقالات .. وتمنيت أن تستمر خواطر المؤلف "عبدالقادر المازني" حول هذا التاريخ .. وقد ذكر أيضا أن:

"هذه المذكرات موضوعة على نسق «مذكرات آدم» للكاتب الأمريكي مارك توين (سامويل كيمينز) ِ وهي تشبهها في الأسلوب الفكاهي، وقد جاريته في أشياء لم أدر كيف أخالفه فيها، مثل إنكار آدم ْهمه أن حواء مخلوقة من ضلع من جنبه، واستغرابه بكاءها — والبكاء أشبه بالأنوثة — وعدم فَ الأمومة إلخ. إلخ".

وبدأت هذه المذكرات على لسان آدم وحواء"ـ فالأسبوع الأول كان على لسان حواء.

(1) (في الجنة ُ السبت، وجدت أن ما أغراني به آدم من كتابة املذكرات اليومية قد شغلني عنه، وأتاح له أن يطوف في الجنة وحده، وهو لا يفتأ يصبحني بالسؤال عن مذكرات اليوم السابق َّ هل دونتها، وينصح لي بأن أكتبها قبل أن أنسى ما حدث، ولا أكاد أشرع في الكتابة حتى أراه ينسل ويذهب لا أدري إلى أين، ومن أجل هذا عقدت النية على ألا أكتب إلا في الليل بعد أن ينام. الاثنني، آدم لغز لا أكاد أفهمه، لم يكن يعرف حتى أن اسمه آدم، ومن قوله أنه ً لا يشعر بالحاجة إلى اسم ما، وملا قلت له يوما إن اسمي حواء قال: «ربما!» أليس هذا منه عجيبً ً ا؟ وأعجب من ذلك أني قلت له إن عليه من الآن فصاعدا أن يدعوني باسمي، فإنه أعذب في أذني من «هش هش» التي لا يزال يفتح فمه بها عليَّ، فقال: إنه يقصد حني يصيح بي «هش هش»، أن أذهب عنه لا أن آتي إليه، وأنه لا يحتاج أن يناديني أو يدعوني لأني لا أكاد أفارقه، فمن العبث أن يكون لي اسم إذا كانت فرصة استعماله لا ً تعرض أبدا، فلما احتججت عليه بأن لكل شيء في الجنة اسمه الذي يُعرف به، زعم أني أنا التي اخترعت هذه الأسماء وأطلقتها على مسمياتها، وأنه لا يدري ملاذا أجشمه حفظ هذه الأسماء كلها وتصديع رأسه بها، وزاد على ذلك أنه لا يرى هذه الأسماء منطبقة على الأشياء أو موافقة لها، ودليله على هذا أنه ما من حيوان يجيبني حني أدعوه باسمه، ولكن هذا مع ذلك لا يعنيه، وإذا كان يروقني أن أكلِّف نفسي مشقة التسمية فأنا وما اخترت لنفسي، غري أنه يرجو مني ألا أشركه في هذا العبث. َّ وهذه أول مرة سمعت من آدم مثل هذه الكلم فحز في نفسي وآملني فبكيت وتوجعت، ولشد ما كانت دهشتي حني نهض آدم ودنا مني ورفع وجهي إليه وجعل يتأمل عيني! َّ بل لقد هم َّ بأن يضع إصبعه في عيني، فنحيت يده عن وجهي وقلت له وقد غيَّض الغيظ َ والغضب عبراتي: «ألا تكفيك قسوة لسانك حتى تريد أن تفقأ عيني؟» َّفادعى أنه لا يفهم كلامي وزعم أنه إنما كان يبغي أن يرى من أين يجيء املاء الذي َ ني في وجهي. وقال: إنه لم ير حيوانًا آخر غريي يفيض املاء من بَ قْ يسيل من هذين الثَّ ِحس َ ن وصفه. فلم أر َ أنه عِب ِّ ئ بصدي عنه ُ ثقوب وجهه، فصدفت عنه وبي من الألم ما لا أ شيئًا، وطال انتظاري أن يعود إليَّ ً ليعتذر، فخرجت من الكوخ أطلبه فألفيته ممسك ِ ا هرة يحاول أن يعصر لها عينيها وهي تجاهد تريد التخلص من قبضته القوية، فاختطفتُها منه وسألته: «ما هذا الذي تصنع؟»

فلم يجبني على سؤالي، ورفع إليَّ ً وجها قرأت في أساريره الدهشة وامللل وقال: «ها ها! أو جئت ورائي؟» فأعدت عليه السؤال فكان جوابه أنه أراد أن يعرف من أين يجيء املاء إلى هذه الثقوب التي أسميها العيون. فأيقنت أنه لم يكن يروم أن يفقأ عيني، وصفحت عنه وزدت تعلقً ا به. الثلاثاء، لا يزال آدم يضحك مني كلما خرجت إلى البركة لأنظر فيها إلى نفسي، ولاسيما بعد أن وقعت فيها وأنا أتأمل خيالي في صقالها. ليته ينظر في مائها الصافي مرة. َّ إذن لكف ٍّ عن هذه السخرية. وما أنسى يوم قمت فألفيتني راقدة في ظل وارفة الأظلال لَفَّ اء، وكيف ذهبت أعجب لنفسي من عسى أن أكون؟ وأين أنا؟ وماذا جاء بي إلى هنا؟ ِ وكيف كان ذلك؟ وكان على مقربة مني كهف يتدفق منه املاء إلى بركة. فقصدت إليها وانطرحت على بساط الروض، وجعلت أنظر في املاء وإذا تحت عيني — في جوف املاء — ِّ صورة تنحني وترمقني، فتراجعت فارتدت مثلي، فعدت أنظر، فعادت تحدق في وجهي بعينني جميلتني يفيض منهما العطف والحب، فلولا صوت رحيم هفا به النسيم إليَّ «إن ما ترين ليس إلا صورتك وخيالك»، ملا انصرفت عن املاء إلى هذه الساعة، وإن آدم لقوي وجميل، ولكن ذلك الخيال الذي يتراءى لي في املاء ألني وأعذب. ُ الخميس، كل يوم يبدو لي من آدم خ ٌلق ٌ عجيب. كنت ألومه وأشكوه إلى نفسي وأؤنبه على هروبه مني واختفائه بني الأشجار، وأقول له فيما أقول: «إني أنسى كل شيء حني ُّ أكون معك، حتى الجنة لا أباليها ولا أحفل ما فيها، وإن نسيم الصبح حني يهب بأصوات العصافري لذيذ، وإنه ليس أطيب من ريا الأرض بعد أن يجودها من السماء هاضب، ولا أرق من مقدم الليل علينا بنجومه الزهر وقمره الساري، ولكن ما من شيء في الأرض ولا في السماء يروقني أو يفتنني إذا لم تكن معي. فالعجب لك كيف تطاوعك نفسك على مجافاتي والفرار مني وأنا بعضك؟» ٍّ ففتح عينيه جدا وقال: «بعضي، ماذا تعنني؟» ُ فقلت: «نعم بعضك! ألست قد خلقت من ضلع في جنبك الأيسر؟» فوثب إلى قدميه َ وقال: «من ضلع في جنبي؟ من قال هذا؟»

قلت: «إنها الحقيقة.»

فرفع يده إلى صدره وجعل يمر بأصابعه على ضلوعه ويتحسسها بعناية، ثم نظر إليَّ وقال: «هذا غري صحيح. إن ضلوعي كاملة لا نقص فيها وقد عددتها أمامك.»