رسالة من الزمن البعيد
المرسل: مجهول عمره ثلاثة وخمسون عاما
تحية طيبة وبعد
اسمع مني يا عزيزي، وتقبل نصيحة مجانية؛ نصيحة رجلٍ اشتعل رأسه شيبا، وتلقى خبرات حياتية، لم تكن تلك الخبرات مجانية على الإطلاق.
دعني اتفق معك على أن الكلمات ما هى إلا أصوات يطلقها اللسان للتعبير عن وجدان أو شعور، سواء كان حُزنا، فرحا، غِبْطَةً أو كُرها.. تجد أن شعور المرء بكرهٍ يتلخص في كلمة (أنا لا أحبه، أو أنا أكرهه) فلا أعدو الحق إذا قلت أنه إذا تيسير له من المدد أن يصف ذالك الشعور فلن يكفه ذلك العمر.
فالمرء كعادته يظل طول عمره يصف ذلك الحب الأول، ذلك الإعجاب، والوله، والفرحة في حالة رؤية حبيبته الأولى، ولعلها كانت بنت الجيران، والنظر للنجوم في الليل، والذهاب إلي بيت الجيران ليرى ابنتهم، أو يختلس النظر إليها وما شابه، فقط كلمة واحدة (حُبْ) .. مجرد كلمة أسعفنا بها اللسان تعبيرا عن الوجدان، فضلا عن التردد الذي يقد يواتيه لمجرد التلفظ بها.. آهٍ لو كان بيد الإنسان أن يجري على لسانه كل ما جال بخاطره،.. ولكن هيهات، ولله في خلقه شئون. ولذلك أثناء كتابتي الآن أجد فيضا من الكلمات لا حصر لها ولكن لا ينطلق بها لساني إلا التي لا آذن لها.
ولكن على كل حال كانت هذه مقدمة بسيطة لما أكتبه من خاطرة تصف بعض ما أشعر به في هذه الأيام..كعادتي أحاول أن أكون مرحا مع الآخرين، حتى وإن كنت أمر بظروف صعبة في حياتي الشخصية.
فما ذنب رجل يعمل معي في الشركة، أوشاب ألقاه في الشارع، أن يراني عبوسا بسب خصم مديري في الشركة، أو خناقة مع زوجتي، فوالله أثناء كتابتي لهذه الكلمات تلقيت رسالة مزعجة من أحد مدرائي في العمل، ولكن ما يحدث في العمل يبقى في العمل لا علاقة للبيت بما حدث في العمل؛ أو ما يحدث في البيت يبقى في البيت فما ذنب زوجتي أن تراني حزينا فهذا يزيد الطيب بلة.
فالحل الأمثل، الذي أراه، لتثبيت حالة المرح أو على الأقل وجود ابتسامة على فمي هو أن أحاول تقمص شخصية ذالك المراهق الذي بلغ من العمر 12 سنة.. لا يبالي بما يدور حوله، ولكنه يفهم ما يحدث حوله في المجتمع.
فرسالتي لك هي أن لا تسمع ممن يطلبون منك أن تنضج، أو تتصرف كرجل بالغ عاقل، لا عليك يل عزيزي، لا يضيرك لوم اللائمين. فإن استطعت أن تبقى كذلك صغيرا فافعل.
ولكني أعلم يا صغيري أنك لستَ بِدْعًا من الأمر، وليس بالإمكان أن يتوقف عن الزمان، فالحل بيدك؛ فقط داوم على الابتسام في وجه على الآخر، وعليك بالتفائل.
كنت أمشي، في طرقات الطريق مع أحد الزملاء، أددن بكلمات لا تحمل أي معنى، مثلي مثل طفل يددن وكأنه يعيش أسعد طفولته.
“فقال لي: " ههههههههههههه أنا والله عندي إحساس إنك جاي من سنة ستة ابتدائي".
فضحكت، ولم أقل شيئا، وأدركت أني ما زلت أسير علي الطريق.